مجتمع

رجال التعليم الفقراء الجدد

بقلم رشيد نيني

إذا لم يستخلص شكيب بنموسى الدروس الواجب استخلاصها من الإضراب الذي دعت إليه التنسيقيات والتحقت به النقابات التعليمية، والذي فاقت نسبة المشاركة فيه 90 بالمائة، فهذا يعني أن الوزارة ومعها الحكومة غسلت يدها من قضية التعليم العمومي.
وعندما جلست أتابع جلسة مجلس المستشارين تأكدت أن الوزير بنموسى فاهم الحكاية غلط ويقدم مغالطات على أساس أنها مكتسبات، فمقترح خارج السلم ليس مكتسبا بل فقط تم تطبيق مضامين قانون الوظيفة العمومية الذي يسمح للموظف بالترقي مرتين على الأقل في مساره المهني، وبالتالي الوزارة طبقت القانون الذي كان معطلا لسنوات، وإذا اعتبرنا أن الموظف الحالي يلج بالسلم العاشر فبالتالي من المفروض على الوزارة منحه هذه الدرجة بقوة القانون وليس فضلا منها. وعندما يتحدث الوزير عن المردودية فإنه يجانب الصواب مرة أخرى. إذ لا يمكن الحديث عن المردودية في ظل بنية متردية. وقبل أن نتحدث عن المردودية يجب أن نحل أولا مشكل الاكتظاظ الذي يعيق التمدرس الجيد، وهو مشكل تسببت فيه الوزارة عندما جمدت الاستثمار في بناء المؤسسات المستقبلة قياسا على المحددات الدولية في مجال التعمير.
أما قضية تصحيح أوراق الامتحانات التي اعتبرها الوزير وسيلة ربح للأساتذة فهذه أكبر إهانة في حقهم.
فإذا كان تعويض التصحيح يتراوح بين درهمين للورقة في الابتدائي و4 دراهم في الثانوي تخصم منه 33% كرسوم ضريبية تعود للدولة، هو ما يقصد به الوزير مصدرا للدخل فماذا سيسمي التعويضات السمينة التي يتحصل عليها رؤساء المصالح ومدراء الأكاديميات الذين يغتنون من عمل المدرس؟
وما لا يعلمه السيد الوزير هو أن كل تلميذ، خصوصا في بعض المواد العلمية، يحرر ما يزيد عن أربع أوراق تحتسب ورقة واحدة في عرف الوزارة.
وباستعمال حساب الخشيبات فإن الأستاذ يصحح كل ورقة ب 60 سنتيما، وكل ورقة تستغرق من الجهد البدني والعقلي والنفسي ما لا يستطيع الوزير تقييمه ولو بأجرته.
وما يجب أن يدركه الوزير ومستشاروه هو أن الفئة المظلومة بشكل أكبر في هذه المنظومة هم أساتذة التعليم الابتدائي. لماذا؟
أولا، أساتذة الابتدائي مثلهم مثل أساتذة الثانوي ولجوا المهنة بالإجازة، فلماذا يمنح أستاذ الثانوي “خارج السلم” ويحرم منه أساتذة الابتدائي والإعدادي؟ علما أن هذه النقطة كانت قد انتبهت لها حكومة عباس الفاسي وأعطت “خارج السلم” في اتفاق أبريل 2011 مع النقابات قبل أن يجمدها بنكيران صاحب معاش سبعة ملايين.
اليوم جاءت حكومة أخنوش ووافقت على “خارج السلم” للجميع، ولكن بطريقة تقتضي إعطاء “خارج السلم” ابتداء من يناير 2024 بنسبة 36% سنويا، أي أن الذين كان من الممكن أن يحصلوا على “خارج السلم” من 2012 قد يسجلون في لائحة الكوطا ولن يحصلوا عليه إلا في 2028.
ولأن بعض أساتذة الثانوي يرفضون مقارنتهم بأساتذة الابتدائي في الولوج ل”خارج السلم”، رغم توفرهم على الشهادات نفسها، فقد شرعوا يطالبون بدرجة جديدة فوق “خارج السلم” تكون خاصة بهم ينفردون بها دون غيرهم.
ثانيا، من حيث ساعات العمل فأساتذة الثانوي يشتغلون في أقصى الحالات 20 ساعة أسبوعيا أو أقل، في حين يشتغل أساتذة الإعدادي 24 ساعة، بينما يشتغل أساتذة الابتدائي 30 ساعة وفي ظروف صعبة وكارثية، وخاصة في العالم القروي حيث لا ماء ولا مراحيض ولا سكن ولا إنترنيت ولا وسائل نقل، وباكتظاظ رهيب، ناهيك عن تكليفهم بحراسة التلاميذ في الساحة وخلال الدخول والخروج، دون الحديث عن لوازم العمل، من أقلام ووسائل تعليمية، لأن منهم من يشتري ذلك من ماله الخاص، وخاصة فوطوكوبي، وأحيانا يضطر الأستاذ لشراء بعض الكتب والدفاتر للتلاميذ الفقراء.
وبالإضافة إلى فئة أساتذة الابتدائي هناك فئة منسية وهم الملحقون التربويون الذين لم يربحوا من هذا النظام الجديد غير تغيير اسمهم من “ملحق تربوي” إلى “مختص تربوي” وإدماجهم مع هيئة التدريس والتعليم التي تستفيد من حصص عمل أقصاها 24 ساعة، على عكسهم هم حيث يشتغلون 38 ساعة، مع القيام بمهمة غير محددة.
إن الحل الوحيد لإصلاح منظومة التعليم واضح ولا يحتاج لعبقرية خاصة لفهمه.
يجب رد الاعتبار ماديا ومعنويا لرجال التعليم، مع توفير تكوين جيد سنتين بعد الإجازة.
يجب توفير البنية التحتية، قاعات كافية، مع مراعاة أقل من 30 تلميذ في القسم.
يجب توحيد البرامج الدراسية والمقررات، ولم لا منح الأستاذ حرية أكبر في اختيار النصوص والمراجع التي يراها مناسبة عوض أن تفرض عليه مقررات يتاجر بها أصحاب المطابع.
يجب التركيز على اللغات والكفايات، أي القراءة والكتابة والحساب، أما المعلومات فهي متوفرة بشكل كبير على الشبكات.
وعلى مستوى التمثيليات النقابية لرجال التعليم يجب إنهاء عهود الريع التي ظل يستفيد منها النقابيون طيلة عقود. لأن الريع ينتج الفساد والفساد ينتج الظلم، وبالتالي الاحتجاجات والإضرابات.
الجميع يعرف أن النقابات غارقة إلى الأذنين في الريع، بدءا بعمل الزوجات والتفرغات وتوظيف الأبناء في الدواوين. فكل نقابة لها “روبيني” خاص بها، الاتحاد العام للشغل يمص بزولة التعاضدية العامة والتغطية الصحية، ونقابتا fdt وcdt تمصان بزولة نوادي المدرسين في المدن.
ناهيك عن أن الحكومة ومع بداية ولايتها أعطت للنقابات 13 مليارا لكي تقسمها في ما بينها بمعرفتها، أي أنها وفرت لها دعما بزيادة 30 % من الدعم العمومي.
وإذا أضفنا إلى كل هذا تلكؤ الحكومة في إصدار قانون النقابات، الذي سينتهي بالكثير من زعمائها خارج الخدمة، إذ كيف يعقل أن يدافع عن الموظف متقاعدون منهم من تجاوز 80 عاما؟
ناهيك عن غض الطرف عن مالية النقابات التي “تتمعش” فيها القيادات كما تشاء دون حسيب ولا رقيب.
ولو قدر لقضاة المجلس الأعلى للحسابات القيام بافتحاص لمالية هذه النقابات لوقفوا على مجازر مالية حقيقية، ولعرفوا كيف ولماذا اغتنى النقابيون وأبناؤهم وأصبح الأساتذة عنوانا لطبقة “الفقراء الجدد”.
وإذا وجد السيد الوزير أن هذه المطالب تعجيزية وأن لا قدرة له على مجابهة أصل المشاكل في منظومة التعليم فعلى الأقل هناك مطلب بسيط يستطيع تحقيقه ولن يكلفه درهما واحدا، ويتعلق ببعض أطر وزارة التربية الوطنية العاملين بالإدارة المركزية أنعم عليهم الملك بأوسمة ملكية سامية بمناسبة ذكرى عيد العرش المجيد لسنة 2021، وإلى اليوم لازالوا ينتظرون المناداة عليهم لتسليمهم أوسمتهم.
ولو كان الأمر يتعلق بنتائج مباراة مهنية أو لوائح الترقية لفهمنا تلكؤ الوزارة في الإفراج عنها، ولكن الأمر يتعلق بأوسمة ملكية.
ولذلك فعلى السيد الوزير أن يولي هذا الإنعام الملكي على ثلة من موظفي قطاعه ما يستحقه من احترام وتشريف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى