الحج المدنس
بقلم سعيد بلفقير
الانتخابات على الأبواب، أفواج الحجيج إلى كعبتها يلفهم خشوع المرحلة، تسلحوا بالنية وحفظوا المناسك عن ظهر قلب، هم مستعدون للتجرد من كل ثوب تبدو عليه بوادر الغلاء، هم مستعدون للسعي بين الدروب الضيقة، والطواف حول البيوت التي تشبه المقابر وقيل إنهم قد يأكلون الطعام هناك ويمشون في الأسواق.
حج الانتخابات هذا وسع كل الأطياف والملل والشرائع، الكل يسعى ليتم المراحل حتى ينال صك الغفران من المواطن، صك قد يرمى في الصندوق مقابل دراهم معدودات، أو يرمى مقابل وعد سيكون مثل سابقيه نسيا منسيا، أو يرمى باسم نضال قديم أو نكاية في كيان آخر.
المعارك سيشتد وطيسها، وهذا الحج بدونها باطل، سيحنث الحلافون في الأيام الحُرُم، سيخون المواطن ظله ويتمرغ في دماء الذبائح ويبايع الشيطان ويرجم الوطن.
ستصطف فلول من بيننا نحن الصحافيين تأمر بمعروف التصويت والنهي عن المقاطعة، ستعلو أصواتهم بأذان البرلمان: من لم يصوت لا يقبل منه غضب ولا احتجاج ولا شكاية، سيضربون الدفوف بكل الألوان حتى تصفو لهم الكراسي في دواوين الوزراء، هي دائرة تدور وسوق عُرفُها التداول.
سيلعب زملاء آخرون دور الوسيط بين الرأي العام والساسة، سيُخلصون النية وهم يضربون لونا بلون ويلبسون البياض حيادا والسواد مآلا، ويحبسون الدمع ويستغفرون لذنبهم الأكبر.. أنهم صحافيون.
حجاج البرلمان وعلى غير العادة سينفقون بسخاء، سيجالسون الصغير قبل الكبير، سيربتون على أكتاف العاطلين، سيتعاطفون كثيرا، وقد تدمع عيونهم وهم يعلنون انتماءهم للشعب، وحين تنتهي المراسيم سيلملمون شتات الوعود يضعونها على الرفوف حتى حج آخر، وستتدلى أشداقهم من خلف الأقنعة وتبرز البطون لا تحدها أزرار ولا أوزار، وسيعتلون المنابر أبطالا يرفعون أوسط أصابعهم بوجه المواطن، فالوسطى بأيدي هؤلاء الحجاج لا تصلح إلا لخدمة المواطن.
سيخرجون آلاتهم الحاسبة ليقتطعوا تكاليف الحج من مداخيل بيع الوهم، فتربح تجارتهم ويصبح حجهم مبرورا مبررا.
وسيخرج المواطن الذي باع صوته آلته الحاسبة، يضرب أخماس بأسداس، يتأمل المعادلة الرخيصة، خمس سنوات مقابل ماءتي درهم، أي أحد عشر سنتيما لليوم الواحد، كم أنت رخيص أيها المواطن! وما أغلاك يا وطن!
يرتفع صوت المضيفة في قاعة الانتظار: حجاجنا الكرام، الرحلة المتجهة صوب الكراسي وصلت للجحيم، نتمنى لكم مقاما سعيدا.