إقصاء جديد .. و درس جديد .. !


سبق لي ان عبرت عن افكار معينة بعد الاقصاء خلال الكان الأخيرة امام البنين .. مرت اكثر من سنتين و اجد نفسي مضطرا للتعبير من جديد عن نفس الافكار بعد إقصاء امس لان لا شئ تغير تقريبا … مشاركة المنتخب الوطني في ما اطلق عليه مونديال العرب بدولة قطر صنع و مازالت سيصنع الحدث ككل مرة في وسائل الإعلام و لدى الجمهور و المتتبعين رغم الإقصاء، و يمكن اعتبار ما وقع، كما هو الحال في كل مرة، درسا جديدا في الحياة و ليس في الرياضة او كرة القدم فقط، لأن فوز أو خسارة المنتخب الوطني و تأهله أو اقصاءه لم يعد حدثا رياضيا و كرويا فحسب، بل بدأ يأخذ بعدا اجتماعيا و نفسيا لدينا بسبب الإفراط و المبالغة في التعامل مع الفوز و الخسارة في المجال الكروي و هذا موضوع آخر قد نعود له فيما بعد.
يمكن القول بان أغلب ما نسمعه ونقرؤه بخصوص هذه المشاركة منذ انطلاق هذه الدورة هم و يهم التفاصيل دون التطرق لصلب الموضوع و ما يجب ان نتطرق إليه و كأن هذه التفاصيل هي ما كان ينقصنا لتجنب الاقصاء من جديد، و كأننا نملك لاعبين متميزين في جميع المراكز و فريقا كبيرا تعود اعتلاء ” البوديوم ” في كل دورة دولية، و ننسى المهم الذي ينقصنا و بكون الخارطة الكروية جهويا و عالميا، في اطار العولمة الكروية، تغيرت كثيرا (كمثال على ذلك تاهل قطر لنصف النهاية).
لا يهمني الخوض اذن في التفاصيل التي لا تسكن و لا تغني من جوع بعد الإقصاء، و لكن ما يهمني الآن هو التطرق للسهولة و البساطة التي نتعامل بها منذ أكثر من عشرين سنة (منذ المشاركة المشرفة خلال المونديال الفرنسي 1998) مع مردود و نتائج منتخباتنا رغم كل ما نوفره من إمكانيات على جميع المستويات في ظرفية اقتصادية صعبة و على حساب مجالات أخرى ذات أولوية أكبر و استمرارنا في تحميل الظروف لمسؤولية الإخفاق عوض التجرد من الأنانية و الشعبوية و الذهاب إلى عمق الأشياء بتحليل واقعي و شامل لواقع كرتنا و لقدراتنا و قدرات المنافسين في كل الفئات العمرية، و لكل ما ينقصنا في المجالات المرتبطة بالممارسة الكروية الصحيحة.
فإذا كان من حق الجمهور أن ينتقد من يشاء و يمدح من يشاء و يتطرق للتفاصيل السالفة الذكر، لأن المشاعر والعواطف هي التي تحركه، فمن الواجب على باقي المتدخلين في المجال الكروي الارتقاء بمستوى تحليل ما وقع حتى نستفيد من الدرس و لحسن الحظ اننا ما زلنا نتوفر على أقلية من الإعلاميين و المحللين الرياضيين الموضوعيين و الصادقين لا يجب تبخيس ما يقومون به لأن تحاليلهم رغم قلتها منطقية و مفيدة.
المستقبل في المجال الكروي يبنى على النجاح كما على الفشل، و قد تكون الخسارة و الإقصاء في هذه الدورة درسا مفيدا لنا أكثر من التأهل الى دور النصف أو الفوز بكأس العرب للامم مثلما لم نستفد من قبل من تأهلنا إلى المونديال الروسي و وصولنا إلى نهائي كأس افريقيا للامم 2004 عندما اعتقدنا بأننا وصلنا الى القمة و بأننا صرنا نملك أحسن منتخب.. ! هذا الاقصاء لا يجب ان يكون مرادفا للخوف او الحزن و لكن الخوف كل الخوف أن تمر تجربة الاقصاء و مشاركتنا في مونديال العرب دون أن نستفيد من دروسها مثلما لم نستفد من الدروس السابقة، و نستمر في سياسة ” النعامة ” و الحلول الترقيعية و ربح الوقت و الكذب على أنفسنا وعلى بعضنا البعض بتواطؤ من جزء من الإعلام غير صادق مع ذاته و مع جمهور الكرة ببلدنا.
الاستفادة المثلى من درس الإقصاء لها عنوان واحد هو التفعيل الحقيقي لمضمون الرسالة الملكية السامية التي وجهت قبل أكثر من 13 سنة إلى مناظرة الصخيرات و ذلك بطي مفهوم الكرة التقليدي الذي يعتبر هذه الأخيرة مجرد لعبة تتقاذفها الاقدام بصفة نهائية و نحط في اعتبارنا بكونها أصبحت منذ مدة ظاهرة إنسانية لها أبعاد سياسية و اجتماعية وثقافية و اقتصادية و نفسية في حياة الشعوب. كفى اذن من السطحية و الذاتية و العاطفة التي نتعامل بها لحد الان مع اقصاءاتنا و ليتحمل جميع المتدخلين في المجال الكروي مسؤولياتهم. و سيكون من المفيد أن يوجهوا نقاشهم الان نحو التداول حول حال الكرة الوطنية كمشروع وطني لشبابنا، يعتبر كرة القدم وسيلة للتوعية و التربية و التثقيف تسمح بالارتقاء بالنقاش و الممارسة إلى مستوى فكري و ثقافي يربي الأجيال على التعامل الحضاري والأخلاقي مع الفوز و الخسارة، و مع الفرحة و الحزن، و مع مختلف الآراء و التحاليل الموضوعية في كل المجالات (و ليس فقط في المجال الكروي أو الرياضي) بكل احترام و روح رياضية، بعيدا عن كل الاستغلالات العاطفية و الشعبوية كما سلف الذكر و التي التي سئم منها الجميع اما اذا تم الاستمرار في تدبير ما بعد إقصاء امس بنفس طريقة الإقصاءات السابقة فسيكون من غير المفيد، بالنسبة لي على الاقل، الاستمرار مستقبلا في مناقشة أحوال الكرة الوطنية و الاهتمام بكل ما يتعلق بها.

Exit mobile version